لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ كِيَانِي عِنْدَمَا كُوِّنْتُ فِي السِّرِّ، وَجُبِلْتُ فِي أَعْمَاقِ الأَرْضِ. رَأَتْنِي عَيْنَاكَ وَأَنَا مَازِلْتُ جَنِيناً - مزمور 139: 15-16

يمكن للتسعة أشهر من انتظار الطفل أن تعمّق علاقة الزوجين وتقرّب أحدهما إلى الآخر أكثر من أي وقت مضى في زواجهما. وهناك مشاعر من الفرح والإثارة في المجهول – خليط غريب من القلق والسرور – لاسيما لدى الأزواج الشباب الذين يترقبون ولادة أول طفل لهم. وهناك أيضا مشاعر داخلية من الدهشة والإجلال نحو سرّ ولادة حياة جديدة بالإضافة إلى مسؤولية التربية الملقاة على الوالدين.

وللأسف، نرى أن هذا الإجلال والوقار لسرّ الولادة العجيب مفقودين بصورة كاملة تقريبا في أيامنا هذه. هذا وقد قلّ عدد الذين ينظرون إلى الحمل على أنه شهادة مفرحة تشهد للحياة لأنه قد أصبح مجرد حالة طبية روتينية. أما أسرار الأم الطبية كنتائج الفحوصات والتصوير بالموجات فوق الصوتية فقد صارت اليوم أخبار تُذاع بين الأصدقاء والأقارب على حد سواء. ولكن هل تُعتبر عملية نمو الطفل في رحم أمه مجرد عملية بيولوجية؟

لقد وصف جدي ايبرهارد آرنولد Eberhard Arnold في كتابه "الأرض الداخلية Inner Land" الجنين على أنه روح - وهو "كائن صغير ينتظر ليتم استدعاؤه من الأبدية". ولو صحّ هذا الكلام لاستنتجنا منه أن الحمل لا يتطلب رعاية طبية فحسب بل حتى توقير روحي - كما يترتب علينا أن نولي اهتماما لاحتياجات الأم الروحية بقدر ما نوليه لمواعيد فحوصاتها الطبية. لأن الحياة العائلية المليئة بالمحبة وبالأمان تُعتبر في غاية الأهمية لكل من الطفل المولود وللطفل المقبل على حدّ سواء. وقد يعاني الطفل الذي ما يزال في الرحم لو لم يحسّ بمحبة ترعاه وبحنان دافئ تجاهه. فقد حذّر علماء النفس والتربويون منذ أمد طويل من الآثار السلبية للأسر المفككة على الأطفال، وصاروا يدركون الآن أن هذه الآثار لا تقل خطورة حتى للأطفال الذين لم يولدوا بعد.

وقد تمّ وصف قابلية الجنين في التفاعل مع مشاعر أمه وصفا رائعا في إنجيل القديس لوقا، كما يلي:

فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: "مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي."- (لوقا 1: 41-44)

وعلى غرار ما جاء أعلاه، نرى أن الكاتب الألماني جوزيف لوكاس Joseph Lucas يؤكد بشدة على أن أفكار الأم تنتقل إلى طفلها وهو ما يزال في بطنها. فكل ما هو طيّب فيها – من محبة وطهارة وقوة - ينغرس في الطفل قبل ولادته. فهو يريد أن يقول إنَّ أسلوب حياة الأم أثناء مرحلة الحمل يضع اللبنات الأساسية لكل ما يخصّ التربية لاحقا. والذي يحصل بعد الولادة هو "تفتُّح ونمو ما قد نبت بالفعل في النفس".

وعندما تكتشف الأم أنها حامل، ينبغي لها أن تشكر الله. فلما اكتشفت حواء أنها حبلى ومن ثم ولدت قايين، قالت: "رَزَقَني‌ الرّبُّ ا‏بناً." (تكوين 4: 1) فلم تقلْ: "رزقني آدم" بل: "رَزَقَني‌ الرّبُّ." ولدى الله سبحانه تعالى فكرة لكل طفل، ويجب علينا أن نكنّ المهابة والإجلال لجميع مقاصده.

بالطبع، يمكن للفحوصات الطبية - مثل الاختبار بالموجات فوق الصوتية - أن تعطي الأطباء معلومات مفيدة عن الحمل التي ستفيد فيما بعد القرارات الطبية بشأن المخاض والولادة. لكن معلومات كهذه لا تجلب معها بركة دائما. فكم اختباراتٍ للموجات فوق الصوتية أظهرت تشوهات وعيوب، وأنتهى بها الأمر بـ "الإجهاض"!

ولا أحد يعلم بالضبط بعدد الأطفال الأبرياء الذين يجري إجهاضهم سنويا سوى الله وحده، ولكننا نعلم أنه قد وصل الملايين. والإجهاض هو جريمة قتل، من دون أي استثناء. فهو يدمر الحياة ويسخر من الله، الذي على صورته يُخلق كل جنين. ولذلك فإن المرأة التي اقترفت الإجهاض أو تلك التي تعتزم اقترافه تعاني دائما من عذاب كبير للضمير. ولن تشفى نفسها إلا بالمسيح، الذي يغفر لكل قلب تائب.

ومهما كانت الحجج تبدو مقنعة لإباحة الإجهاض مثل تقليل الطفل لدرجة الرفاهية، أو تأثيره على صحة الأم، فيجب علينا ألا ندع هذه الحجج تؤثر علينا وتغيّر موقفنا. فمن ترانا نحن لنقرر ما إذا كان ينبغي لروح أن ترى النور أو لا؟ ففي نظر الله، يمكن استعمال حتى أكثر الأطفال عوقا لتمجيد اسمه تعالى. وقد شهدتُ هذا مرات عديدة في حياتي. والمسألة هي ليست أننا نود وضع عبئا ثقيلا على الوالدين على الإطلاق بل هو الله الذي تسعى مشيئته لتحقيق ما هو الأفضل في كل واحد منهم وفي جميع الأحوال (رومة 8: 28).

ويجدر بنا، كأولاد لله، أن نتذكر أن الله سبحانه تعالى هو الخالق الكامل الذي لا مثيل له، وينبغي لنا ألا نجد عيوبا في ما تصنعه يداه، بل نقدم له ببساطة التسبيح والحمد في خضم هذا العالم المذهول بظاهرة المثالية بمعنى أنه يجب أن يكون كل شيء متناه في الكمال وبلا عيب وأيضا بظاهرة الاختيار حيث يجري انتقاء كل ما هو فائق وفاخر. فلنستمع إلى صوت الكتاب المقدس:

لأنَّكَ أنتَ اقـتَنَيتَ كُليَتَيَّ. نَسَجتَني في بَطنِ أُمِّي.
أحمَدُكَ مِنْ أجل أنِّي قد امتَزتُ عَجَبًا.
عَجيبَةٌ هي أعمالُكَ، ونَفسي تعرِفُ ذلكَ يَقينًا.
لم تختَفِ عنكَ عِظامي حينَما صُنِعتُ في الخَفاءِ،
ورُقِمتُ في أعماقِ الأرضِ. رأتْ عَيناكَ أعضائي،
وفي سِفرِكَ كُــلُّها كُتِبَتْ يومَ تصَوَّرَتْ، إذ لم يَكُنْ واحِدٌ مِنها.
(مزمور 139: 13-16)

 

هذه المقالة مقتطفة من كتاب «لماذا يهمنا الأطفال»